الأحد، 31 يناير 2016

النبي صالح عليه السلام

النبي صالح عليه السلام
عاد الوالد وعبد الرحمن من صلاة الجمعة ,,وما أن دخلا وسلما حتى ركض الطفل وحمل كرته وأسرع إلى امه وهو يقول :
_بسرعة يا ماما لنذهب إلى حديقة الحيوانات.
امسكت الأم بيد طفلها واصطحبته الى الغرفة المجاورة لتغير ملابسه وهو ممسك بالكرة يحولها من يده اليمنى إلى يده اليسرى , يخاف أن ينساها كما نسيها في المرة الماضية.
وما أن أتم الجميع إستعدادهم ركبوا السيارة وأخذ الوالد يردد الدعاء (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون)
وتحركت السيارة ...
كان الجو بديعا فلا زال الربيع ضيفا حبيبا يلطف النسمات وغيمات متفرقات يلاعبن الشمس يخفينها حينا ويظهرنها حينا.
كانت الام تجلس في المقعد الأمامي تنظر من النافذة إذ لمحت أسماء في المرآة تلقي منديلاً ورقياً من نافذة السيارة قالت الأم غاضبة :
_ماذا فعلت يا أسماء؟!!
اجابت اسماء ببرود:
_لم أفعل شيئاً .. إنه منديل مسحت به بعض التراب ثم ألقيته .
قالت الإم مؤنبة إبنتها :
_إن كنت ممن يعتبرون خارج المنزل حاوية كبيرة للنفايات يلقون فيها ما يشاءون دون حرج !!.. فانت لم تفعلي شيئاً..
هل تذكرين .. يوم أُلقيَ منديل ورقي من السيارة المجاورة فلامس وجهك ..؟ يومها غسلت وجهك عشر مرات....
قالت أسماء مقاطعة :
_أرجوك أمي لا تذكريني .. انا أسفة
_قالت الأم وقد عاد الحنان إلى صوتها :
_يا حبيبتي الإسلام نظيف ونحن مسلمون.. يجب أن نكون بديننا أرقى الأمم وأنظفها ... كما أني أضع دائما بجانبكم كيسا لتضعوا فيه النفايات.
حملته زينب وأخذت تلوٍح به وهي تقول :
_ها هو ذا يا امي .
نظرت أسماء بغضب إلى أختها وقالت :
_فهمت .. أعيديه إلى مكانه الآن.
قال الوالد بصوته الهادئ المعتاد :
_لو أدرك كل فرد أن الكرة الأرضية بيته الكبير , يحافظ عليه ويهتم به كما يهتم ببيته الصغير .. فكل بيت له حق علينا في المحافظة على نظافته وجماله لان الله جميل يحب الجمال نظيف يحب النظافة .
أسرع عبد الرحمن بالكلام خشية ان يسبقه إليه احد فقال:
_أنا سأنظف الكرة الأرضية يا أبي ..والله لن اكسرها
ضحك الجميع وعاد جو المرح من جديد .
وحين وصلوا إلى الحديقة حملوا امتعتهم واختاروا مكاناً تكسوه الخضرة تحت شجرة وارفة الظلال .
أخذت الأم مع البنتين تعد مكان الجلوس ..
قال عبد الرحمن :
_ألعب هنا يا ماما ؟
قالت الام : نعم .. ولكن ..
وقبل أن تكمل كانت الكرة قد تدحرجت والطفل يركض خلفها وهو لا يدري ألى أين تأخذه قدماه الصغيرتان , فلحق به والده واعاده وأخذ يلعب معه .
وما ان تم إعداد المائدة حتى إجتمعت الأسرة حولها ورددت الام الدعاء بصوت مسموع فشاركها الصغار (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار بسم الله )
كانت بعض العصافير تنزل هنا وهناك وحمامة تقترب بوجل .. ثم تغير رأيها فتطير رغم محاولات زينب دعوتها , لتطعمها .
وبعد ان إ نتهوا من تناول طعامهم قالت زينب وقد يئست من الحمامة :
_متى نذهب لنرى الحيوانات يا أبي ؟
قام الأب وقال :هيا بنا الآن
جمعت أسماء بقايا الطعام والفضلات في كيس والقت به في حاوية النفايات وعندما عادت قالت لها أمها :
_أحسنت با حبيبتي بارك الله فيك..
ثم غادروا المكان نظيفاً جميلاً كما كان.
............................................
كانت أقفاص الطيور الملونة البديعة أول ما يستقبل الزوارمرحبة بهم بأصواتها العذبة .. فتجذب إهتمام الكبار قبل الصغار..
وبعد أن رأوا القرود والنمور والأسود وقفوا عند سياج يقف خلفه صغير الجمل .. إقترب عبد الرحمن منه وقال :
_أريد أن أركب هذا الحصان يا أبي..
ضحك والده ثم حمله وقال:
_هذا حُوار إبن الجمل وليس حصاناً.
وابتعد الحُوار متجها نحو أمه كأنه يشكو لها جهل هذا الطفل به .
قال الأب: أُنظروا إلى هذه الناقة .. لقد أخرج الله من الصخرة ناقة عظيمة عندما طلب قوم ثمود من نبيهم معجزة ليؤمنوا به.
قالت أسماء : كان إسم نبيهم صالح .. أليس كذلك يا أبي ؟
أجاب الوالد: أحسنت يا أسماء لم تعودي تخلطي بين صالح وثمود وعاد وهود.
_السر في حرف الواو يا أبي كما علمتني بالأمس.
قالت زينب :وهل كانت الناقة حجرية ؟ّّ!!
قال الأب :إصبري يا زينب ستعرفين كل شيء عنها في قصة هذا المساء إن شاء الله
قال عبد الرحمن وقد اتعبه التفكير في سنام الجمل المرتفع على ظهره فسأل بعد ان توصل إلى نتيجة : لماذا يخفي الجمل الكرة في ظهره..... وهنا إبتعد الحُوار أكثر فقد أصبح الوصف لا يُحتمل ,,
قالت الأم : إنه سنام وليس كرة , يخزن فيه الجمل طعامه على شكل شحوم تمده بالطاقة حين يشح الطعام خلال رحلته عبر الصحراء.
واصلت الأسرة جولتها مع جموع الناس في الحديقة ثم عادوا إلى البيت فرِحين
......................................
حضر الأولاد في موعد القصة .. كان ابوهم ينتظرهم .. وقد اعد صوراً لمساكن ثمود وأخرج الكرة الأرضية التي يحبها عبد الرحمن .. ركض الطفل إليها وهو يقول
_سأنظفها يا أبي.
قال الأب : لم أكن أعني هذه الكرة.. بل الكرة الارضية الكبيرة التي نعيش عليها .
نظر عبد الرحمن نظرة إحباط وقد تحطمت آماله ثم قال:
_ لن أنظفها إذاً.. لتنظفها زينب .
ابتسم الوالد وقال: دعونا من التنظيف الآن ولنبدأ قصتنا..
جلس الأطفال وبدأ الأب يحكي
_ كان قوم ثمود يسكنون شمال الجزيرة العربية بين المدينة المنورة وتبوك ,في منطقة تسمى الحِجر ..
وبدأ ينادي الأطفال واحدا بعد الأخر ويريهم مكانها على الكرة الأرصية المصغرة , ثم عادواإلى مكانهم ......
فأكمل قائلاً:
_ومدائن صالح كما وصفها القرآن الكريم تقع في وادِ واسع تحيط به سلاسل جبلية , لذا فإن الشخص الذي يقف عندها لا يمكن ان يطلق على هذا السهل الواسع واديًاً بسبب عرضه البالغ ولكن الذي ينظر إليه من الجو يوقن بأن هذا المكان وادياً وهذا دليل على أن القرآن الكريم منَزًل من عند الله فلم تكن الطائرات ولا الاقمار الصناعية قد اكتُشفت في زمن نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) قال تعالى (وثمودَ الذين جابوا الصخر بالواد )
وهب الله هؤلاء القوم قوة بدنية عظيمة فنحتوا بيوتهم في الجبال واقتلعوا الصخور ليشيدوا بها قصورهم على الأرض المستوية .. بيوتاً وقصوراً ذات تصاميم هندسية في غاية الإتقان والجمال ... قال تعالى (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا )
ثم دعا الصغار فاقتربوا منه وأخذ يريهم صورا لتلك القصور الانيقة الضخمة ..
نادت أسماء أمها لترى الصور
قالت الأم بصوت حزين:
_لو أنهم لم يجحدوا النعمة.. لأدامها الله عليهم ولم يعذبهم .
قال الأب : وليس هذا فقط .. بل رزقهم الأراضي الخصبة , والمياه العذبة , إذ تنحدر مياه الامطار من الجبال ليحتضنها الوادي فتتفجر ينابيع وعيوناً , فجادت الأرض بالثمار والخيرات والنخل المتدلي بالتمر لثقل عذقه .. فنعموا بعيش رغيد.
ولكنهم بدل أن يشكروا الله على نعمه .. عبدوا أصناما صنعوها بايديهم ما أنزل الله بها من سلطان وأضلًهم الشيطان من جديد.
فبعث الله إليهم صالحا .. رجل وجيه في قومه ,حكيما , مسموع الرأي , معروفا بالنقاء والخير فقال لهم (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )
فما كان منهم إلا ان أنكروا عليه ذلك وقالوا :
_ما هذا يا صالح .. لقد كان لنا رجاء فيك لعقلك وعلمك وحسن تدبيرك ...أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا !!؟...كل شيئ إلا هذا يا صالح.
(قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا أتنهانا ان نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب).
كان الحق الذي جاء به صالح واضحاً كالشمس إلا أنهم كذبوه وشككوا في دعوته واتهموه بأنه مسحور مغلوب على عقله .. (قالوا إنما انت من المسحًرين).
ورسول الله صابر ثابت لا يزعزعه موقف قومه وهذا هو شان الانبياء في صبرهم ورحمتهم .. فاخذ يذكرهم بنعم الله عليهم فقال (أتتركون فيما ههنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين * فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا امر المسرفين * الذين يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون * قالوا إنما أنت من المسحًرين * ما أنت إلا بشر مثلنا فأتِ بآية إن كنت من الصادقين)
ضاق القوم ذرعا بصالح وأرادوا أن يُعجزوه ويُسكتوه .. فتحدوه أن يأتيهم بمعجزة خارقة لا يقدر عليها البشر.. فإذا فعل.. فسيؤمنوا به .
أخذ صالح يدعو ربه ليستجيب لقومه.. حرصاًعليهم , واملاً بنجاتهم ...
فاستجاب له ربه فأخرج لهم من الصخرة الصمًاء ناقة , مليئة بالحيوية , ناقة معجزة مميًزة , وهم ينظرون ,, فآمن بعضهم , وجحد واستكبر المجرمون.. وكل من له مصلحة يخشى زوالها بإيمانه.
قالت زينب : خرجت من الصخرة ناقة حقيقية !!؟..كيف؟
_هنا تتجلى قدرة الله التي لا تحدها حدود (إنما امره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).
كانت هذه المعجزة لها شروط
الشرط الأول : أن تشرب هي من الماء يوما فلا يقربه الناس , وهم يشربون يوما ويملأون أوانيهم ليومهم التالي.
والشرط الثاني : أن يَدَََعوها بأمان تاكل في أرض الله ولا يَُؤذوها .. فإن فعلوا فسيأخذهم عذاب عظيم
قال تعالى(قال هذه ناقة لها شِربٌ ولكم شِرب يوم معلوم * ولا تَمَسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم)
كانت هذه الناقة فتنةً وإختباراً لهؤلاء القوم الجاحدين (إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر) وأمر رسوله بالصبر عليهم وترقب ما يفعلون ...
ومرت الايام والناقة تعيش بين الناس بشرط الله وامره....
فلم يقوَالقوم على الطاعة بل كان طبعهم الظلم والطغيان فتآمروا على الناقة وقرروا عقرها ..فقام أشقى القوم وأتعسهم (إذ انبعث أشقاها) فضرب رِجل الناقة فسقطت فتحاملوا عليها وقتلوها وهذه هي صفة العقر..
فحل عليهم غضب ربهم وحق وعيدُه.
قال لهم نبيهم .. ماذا فعلتم .. ألم آمركم ألا تمسوها بسوء ..؟ أما وقد فعلتم فانتظروا ثلاثة أيام وسيأتيكم العذاب
(فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب)
ولم يكتفوا بهذا الجرم ولكنهم قرروا أيضاً التخلص من صالح واهله.. قال تعالى (وكان في المدينة تسعة رهط يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون * قالوا تقاسموا بالله لنبيتنًه وأهله ثم لنقولنً لوليٍه ما شهِدنا مهلِك اهله وانا لصادقون)
هؤلاء الرهط ( الجماعة) لا يعرفون الصلاح ولا الإصلاح ولكن .....عجباً هاهم يحلفون بالله الذي يدعوهم صالح إلى توحيده وعبادته.. وهاهم يحرصون على الصدق حتى في إجرامهم.... فإنهم سيقتلون صالحا وأهله في الظلام فلن يروهم او يميزوهم وبهذا يكونوا صادقين في زعمهم بأنهم لم يشهدوا قتلهم .. إن هم سُئلوا ....أي إختلال في الفكر والعقل والخلق وأي إنحراف... يؤمنون بما شاءوا وقت ما شاءوا ويكفرون بما شاءوا وهذا ما يبغضه الله ولا يرضاه فدين الله كلٌ لا يتجزًأ ..
(ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أًجمعين)وأين تدبيرهم ومكرهم من تدبيرالله.
لم يقتل قوم ثمود كلهم الناقة ولم يتآمر جميعهم على قتل صالح وأهله ولكن العذاب شملهم جميعاً لأنهم لم يأخذوا على أيدي الظالمين بل إستحسنوا فعلهم .
أمر الله صالحاً والمؤمنين معه أن يتركوا القرية الظالمة فالعذاب آتٍ لا محالة...
ومر اليوم الاول ..ثم اليوم الثاني ...ثم اليوم الثالث .. والقوم لاهون غارقون في لهوهم وغفلتهم ..ثم جاءاليوم الرابع .. وجاءت اللحظة الحاسمة.....(فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوًاها ) فاتطلقت صيحة عظيمة أتت عليهم جميعاً فتركتهم كالأعواد الجافةالمهشمة (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظِر) ..
(فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا أن في ذلك لآية لقوم يعلمون * وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون)
ولم تكتمل فرحة الشيطان مرة أخرى فلا زالت هناك بذرة للإيمان , ستنموفي مكان آخر.. يحملها صالح والمؤمنون معه
....................................
قالت أسماء وهي تنظر إلى صور القصور المنحوتة في الجبال:
_لماذا لا يسكن الناس هذه القصور ..؟
_لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم )عندما نزل بالناس على تبوك نزل بهم الحِجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود وعجنوا منها .. فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ان يهريقوا (يسكبوا)الماء ويعلفوا العجين الإبل .. ثم إرتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة فاستقوا منها
وقال لأصحابه وهو بالحِجر (لا تدخلوا على هؤلاء الظالمين إلا أن تكونواباكين )
وفي رواية اخرى(فإن لم تكونوا باكين فتباكوا خشية أن يصيبكم ما اصابهم )
فبقيت هذه القصورالتي ترونها شاهداً عليهم .. وعبرة لمن خلفهم .
قالت زينب وقد بدا في صوتها التأثر :
لماذا لا يعتبرون يا أبي .. في كل مرة يرسل الله للناس الرسول فيكذبوه فيعذبهم الله ..ثم يأتي غيرهم ويرسل الله لهم الرسول فيكذبوه فيعذبهم الله ..؟
_هؤلاء هم الناس الذين غرتهم الحياة الدنيا .. بزينتها من الأموال والأولاد والسلطان .. فتوهم الإنسان بأنه جبار لا يُقهر فيملؤه الزهو والتكبر والغرور فيمنعه ذلك من طاعة نبيه والإيمان به .. إسمعي يازينب ماذا قالوا عندما أخبرهم صالح أنه نبي أرسله الله إليهم لينقذهم من الشرك (فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسُعُر* أأُلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشِر)
أما المؤمنون فقد فهموها بكل بساطة .. أطيعوا والله وآمنوا برسوله تأمَنوا عذابه وتفوزوا بجنته ...أدركوها بنقاء قلوبهم وصفائها.
.........................................
_والآن هيا يا صغاري إلى الصلاة .
--------------------------------------


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق